مملكة ماري.. سبقت عصرها بآلاف
السنين
يذكر أن اكتشافها
يعتبر حدثاً علمياً تاريخياً هاماً، ولاسيما أنه حافظ على 20 % من تاريخ المنطقة، وعرف الباحثين بحقائق تاريخية هامة توضح الأهمية
التاريخية للمنطقة، الأمر الذي دفع الباحث
الأثري (أندريه بارو) إلى القول: إن لكل إنسان وطنين، وطنه الأصلي وسورية.
ساهم
موقعها على
الفرات
الأوسط، في جعلها نقطة تواصل حضاري بين ممالك العالم القديم ,أما اللوحات الفنية
التي وجدت على جدران المعابد والقصور والرقم الأثرية فهي تروي للعالم وللأجيال
قصة مملكة سبقت عصرها بآلاف السنين.
موقع المملكة
يتوضع
تل الحريري
على الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويبعد 12 كم عن البوكمال والحدود السورية ـ العراقية،
و125 كم عن دير الزور، ضمن منطقة مروية ومزروعة، ويجري نهر الفرات إلى الشرق
من الموقع على بعد 3 كم، إلا أن مجراه في العصور القديمة كان يحاذي أطراف المدينة
التي كانت في تلك الفترة إحدى الممالك الهامة على نهر الفرات، لا سيما موقعها
الاستراتيجي الذي يصل الخليج بالبحر المتوسط، ومحطة هامة على الطريق التجاري بين
بلاد الشام وبلاد الرافدين.
وكانت
مرتبطة
بعلاقات
دولية مع بابل ونينوى وآشور وأوغاريت ويمحاض، امتدت علاقاتها التجارية من يلمون
(البحرين حالياً) إلى قبرص، فكانت منتعشة اقتصادياً، وعرفت فيها صناعة الزيوت والخمور
والمنسوجات ومساحيق التجميل وطرق المعادن والنقش الدقيق على الأحجار الكريمة.
ماري في التاريخ
يمر
تاريخ
المدينة
بحقبتين، تبدأ الأولى في الألف الثالث قبل الميلاد وصولاً إلى العصر ما قبل الصارغوني،
حيث كانت مقراً للسلالة العاشرة بعد الطوفان، وتنتهي الحقبة الثانية عام 1750
ق.
م في عصر حمورابي، الذي عمد بعد انتصاره على أعدائه للاتحاد مع زمري ـ ليم ملك ماري،
ثم ما لبث أن قام بمهاجمة دولة ماري حيث دمّر المدينة وأحرقها بالكامل.
إن
الرقم
المسمارية
التي تم العثور عليها أعطت معلومات مختلفة عن المدينة، منها أسماء الملوك وفترة
حكمهم والأحداث التي مرت بها المملكة. وقد سيطرت على الحكم في ماري أسرة أمورية
في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد، وأول ملك معروف في ماري يدعى يجيد ـ ليم،
حكم نحو 1830ق. م.
لغز الاكتشاف
بقيت
مملكة ماري
لغزاً
حضارياً بالنسبة للباحثين الآثاريين في سورية وبلاد الرافدين , وإن الرقم الأثرية
التي عثروا عليها في الممالك الأخرى، كانت تتحدث عن مدينة غاية بالروعة والجمال
والإبداع المعماري في المنطقة دون أن تحدد موقعها.
وأتت
المفاجأة
الكبرى
للآثاريين عام 1932 لدى اكتشاف بعض البدو عن طريق الصدفة لتمثال متعبد لدى قيامهم
بحفر قبر لأحد موتاهم في (تل الحرير) الواقع على بعد 11 كيلو متراً شمال غربي
مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية, وسمي التمثال تمثال (كوبان) نسبة إلى
الضابط الفرنسي الذي أشرف على إخراجه، لتكون بذلك بداية كشف لغز مملكة ماري،
الذي حمل لواءه الخبير الفرنسي (أندريه بار) بين عامي 1933حتى عام 1979 لتتوجه
أنظار العالم إلى ماري كاكتشاف هام في عالم الآثار، حيث توالى
توافد البعثات الأثرية إلى الموقع ولا تزال أعمال التنقيب مستمرة حتى الآن.
بناء الجدران في ماري
إن
عمليات
التنقيب
كانت سريعة في موقع (تل الحرير) وفي إظهار معالم المملكة المستديرة بسورها المزدوج،
حيث يفصل بين السورين مسافة 200 متر
كان
المخطط
الأصلي
لمدينة ماري يأخذ شكل دائرة كاملة تخترقها قناة متفرعة عن الفرات تؤمّن جرَّ المياه
إلى المدينة وتسهّل وصول السفن إلى المرفأ. شيّدت الأبنية في الداخل، وكان التوسع
العمراني يتجه من المركز إلى السور، ويزيد قطر المدينة على 19كم، زرعت بالأشجار
المثمرة، ويستطيع الزائر دخولها من 10 بوابات متقابلة في كل سور وكلها تؤدي
إلى القصر الملكي.
وتعتبر
فترة حكم
الملك
(زمري ليم) العصر الذهبي للمملكة ، وكثيراً ما تمنى الملوك زيارة المدينة لمشاهدة
قصرها الذي ذاعت شهرته بين الممالك، وتبلغ مساحة القصر ثلاثة هكتارات يضم ثلاثمائة
غرفة، ويتألف من أجنحة للحريم وأخرى للإدارة وغرف للضيوف ومدرسة ومعبد خاص للقصر
إضافة إلى الحمامات والمطابخ والقاعات.
وتعتبر
قاعة
جلوس
الملك أهم القاعات حيث تحتوي على منصة منخفضة تدل على موضع عرش الملك، تقابلها مصطبة
يتوضع عليها عرش الإله، في إشارة إلى أن الملك يستمد وجوده من الإله، حتى أن الزائر
للقاعة ينحني لكي لا يقطع التواصل بين الملك والإله، وزينت القاعة برسوم جداريه
ملونة، وسقف القصر مزين بطريقة هندسية فريدة اعتمدت نموذج الجملون المزدوج.
ويضم
القصر
باحات
عديدة أهمها باحة سماوية سميت باحة النخيل، بسبب العثور بداخلها على نخلة من الذهب
الخالص، وعناقيد التمر من الأحجار الكريمة، وزينت جدران الباحة برسوم جدارية ملونة،
منها لوحة تمثل مشهد تنصيب الملك زمري ليم، وهو ممسك بالعصا.
من
الأماكن
الهامة
التي تميز مملكة ماري, معابدها الدينية التي شيدت جميعها من اللبن المجفف على
الشمس وأهمها معبد الزقورة، حيث شيد على ست مصاطب على غرار زقورات بلاد الرافدين
ومعبد عشتار الذي يحوي منصات لتقديم القرابين ومعبد شمش ومعبد نينهور ساغ ومعبد
داغانز.
ويعتبر
الأرشيف
الملكي
من أروع اكتشافات ماري، حيث يحتوي على أكثر من 16 ألف رقيم متنوعة المضامين ومتوضعة
على رفوف طينية، وقد غطيت الوثائق السياسية بأسود من البرونز حفاظاً على سريتها.
ومن
المكتشفات
الأثرية
كنز أور, وهو عبارة عن جرة سليمة عثر بداخلها على خرزة من (اللازورد) من ثمانية
وجوه كتب عليها بخط مسماري إنها هدية من ملك أور إلى اله ماري ونسر برأس أسد رأسه
وذيله من الذهب والعيون وبقية الجسم من اللازورد المحزز وتمثال من البرونز لآلهة
عارية طلي جسمها بالذهب والفضة وعلى رأسها قرون الإلوهية.
ووجد
في القصر
الملكي
أيضا تمثال لربة الينبوع طوله 1.42 متر مصنوع من الحجر الكلسي، ويمثل امرأة ترتدي
ثوباً عليه أسماك صاعدة وهابطة تسبح في مياه تفيض من إناء تمسكه الربة وزينت بالأساور
والأطواق والأقراط، إضافة إلى العديد من اللقى الأثرية الأخرى التي تمثل تماثيل
رجال ونساء ولوحات فنية نفذت مشاهدها بالتطعيم على الأحجار النادرة الملونة واستخدم
في تنفيذها الصدف والعاج على خلفية من القار أو أحجار أخرى.
أهم الحضارات القديمة
ذكر
علماء
الآثار
والمراجع التاريخية والباحثون أن حضارة مزدهرة أنارت بتطورها وقوانينها وتجارتها
العالم القديم هي مملكة ماري التي قامت في سورية حوالي عام 2900 قبل الميلاد،
وكان تأسيس هذه المملكة عن طريق سلطة اجتماعية وسياسية ملكية كان لها حضور قوي
وموقع دعم في المنطقة على نهر الفرات في سورية، فقامت حضارة عريقة متأصلة ارتقت بين
الحضارات هي حضارة ماري، وكان لمدينة ماري عاصمة المملكة دور هام في الطريق التجاري
الذي يتبع مسلك الفرات في سورية الداخلية. ويعتقد أن الخارطة الجغرافية المتغيرة
للمنطقة آنذاك حفزت نشوء كثير من المدن الجديدة، من جانب سورية من الساحل إلى
الداخل وبلاد الجزيرة السورية وما بين النهرين، فكانت ماري ميناء على نهر الفرات
ترتبط مع النهر بقناة مجهزة للملاحة النهرية واستقبال المراكب والسفن التجارية،
ضرورة كواصلة بين الطرفين فهي تتوسط المسافة بينهم، فقامت وازدهرت حضارة من
أهم الحضارات القديمة لذلك تمت العناية بعاصمة المملكة وهي مدينة ماري ومرافقها لتكون
أحد أهم الحضارات
المتطورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق