دليل أطباء طرطوس

السبت، 22 مايو 2021

الحمامات الدمشقية.. تاريخ وحضارة

 

الحمامات الدمشقية.. تاريخ وحضارة

 




 تعد الحمامات الدمشقية من أبرز دلالات الجمال المعماري التي رصعت بالرخام، ومدت على جدرانها القاشاني اللامع، وعقدت على أطراف قبابها عقود الجبس النافرة ذات الرسوم اللافتة والمتزينات البديعة،

كما أقيمت في ساحاتها البحرات الكبيرة التي تشمخ فيها نوافير المياه على أشكال متلألئة وأخاذة ولم تكن هذه الحمامات مكانا للاغتسال فقط بل كانت أشبه بنواد رياضية تريح الجسد من عناء التعب وكمطاعم شعبية يتم فيها تناول الأكلات الشعبية القديمة، وأماكن للمناسبات الاجتماعية وغيرها...‏

انتشرت هذه الحمامات منذ العهد الروماني حيث قام الأباطرة بإقامة عدد من الحمامات في بعض المدن السورية ففي تدمر سمي الحمام بديوكليسيان، أما في بصرى فهناك حمامان أحدهما في جهة الجنوب من القوس والآخر شماله وكان الأول للسكان والثاني للجنود.‏

ولأن النظافة عند السوريين أمر أساسي في الحياة فقد شيدت الكثير من الحمامات التي تدرجت من البساطة في مخططاتها البدائية والتي كانت تتألف من غرفتين الأولى للرجال والثانية للنساء ثم تطورت في عصر الإمبراطورية الرومانية لثلاثة أقسام هي قاعة للحمام البارد وأخرى للمعتدل وثالثة للساخن..‏

ومع تطوّر هندسة الحمامات صنع لها فتحة مستديرة في وسط القبة تغطى بقرص يُفتح عند الحاجة من أجل التهوية، أما المياه فقد كانت توضع في ثلاثة خزانات مُتّصلة، الأولى للماء البارد والثاني للدافئ والثالث للساخن، كما وكان للحمام أقسام وردهات ومقاصير لها أسماء محلية خاصة ولكل منها وظيفة خاصة ومنفردة.‏




 وصف الحمامات‏

يتألف الحمام من قبة كبيرة تهيمن على قباب صغيرة يخترقها النور بواسطة قماري، وتعلو هذه القبة مناور تتلاقى في قبة تصطف على جوانبها النوافذ الملوّنة بالزجاج الملون، وفي أعلاها رقبة ترتفع مشكلة ما يشبه المنور أو البرج المؤلف من نوافذ تجتمع لتكون ختمه للقبة كما وتنتصب في وسط هذه الباحة بحرة من الرخام الملون على أشكال هندسية بديعة، وفي وسطها نافورة ماء تنطلق منها المياه إلى أعلى لتعود على شكل رذاذ، ولتنشر على البراني (القسم الخارجي) الرطوبة والحيوية والنشاط، وعلى أطراف البحيرة فقد زُينت بأصص النبات المتناهي بأطرافه المتباعدة إلى حيث السقف البراني وفي أحد جوانب البحيرة يطفو البالوع الذي يُسمّى الفائض وهو يحمل الماء الزائد إلى الداخل حيث تتجمّع هذه المياه في مخزن كان يسمى "حاووظ" تستخدم مياهه عندما تنقطع المياه لسبب ما وذلك لكي لا ينقطع عمل الحمّام، أما أرض البراني فقد كانت مرصوفة بحجارة مصقولة ذات ألوان ورديّة وسوداء تتخللها تشكيلات بديعة من الرّخام، وأما الجدران فهي مزدانة بكم كبير من الرسوم والصور والآيات القرآنية والحكم والترحيب بالزبائن.. وما هذه الجدران إلا أقواس حجرية ضخمة تستند عليها القبّة العليا وتحت كل قوسٍ أُقيمت مصطبة فُرشت بأرائك ومساند محشوّة بالقطن ومغلّفة بقماش "الدامسكو" وجميع هذه المصاطب مجللة بالفوط والمناشف المزركشة وفي أعلى كل منها مشاجب تعلق عليها ألبسة الزبائن ريثما يتم خلعها لتوضع بعد ذلك في صرر خاصة وعليها يخلع الزبائن ألبستهم أو يستريحون بعد الاستحمام، ومن القبّة تتدلى ثريّا تتألف من عدّة مصابيح كانت تنزل كل يوم لتنظيفها، أما في زوايا البراني فتنعقد المقرنصات التي تعشش عليها الطيور الأليفة.‏

أما دخول الزبائن فيتم من البراني عبر باب صغير يؤدّي إلى ممر في جانبه غرفة حمّام صغيرة، يصل الى بهو صغير يسمى الوسطاني الأول، وقد مدّت فيه مسطبتان ذات اليمين وذات اليسار واليه تجر المياه الآسنة في مجار خاصة لتصل إلى المجرى العمومي، ومن الأول ندخل إلى الوسطاني الثاني والثالث حيث الحرارة أعلى من الأول وفي أحدهما مدخل يؤدي إلى المقصورة المنورة وهي مكان لإزالة الشعر عبارة عن غرفة فيها جرنان: الأول يحتوي على كمية من لبن الكلس الممزوج بمادة الزرنيخ بنسبة ضئيلة، أما الثاني فهو تحت صنبور الماء الحار ويستعمل لغسل الدواء وفي هذا الوسطاني يمر ممشى مبلّط ببلاط حجري ذو لون أسود ووردي يمر من تحته الدخان وبقايا الحرارة التي تسخن الماء ويسمى ببيت النار حيث يوجد على جانبيه إيوانان يحوي كل منهما جراراً عليها صنابير للمياه الحارة والباردة، أما القسم الجواني فهو القسم الداخلي من الحمّام يتألف من ممشى أوسط يُسمى بيت النار، وهو أشد حرارة من الوسطاني وعلى جانبيه إيوانان تتصدرهما الأجران التي تتدفق إليها المياه الحارة والباردة ومن حولها مجاري المياه الفائضة وعلى جانبي كل إيوان تتفتح أبواب ذات أقواس معقودة من الآجر أو الحجر مزينة بنقوش من الجص، وتؤدي هذه الأبواب إلى المقاصير وهي عبارة عن غرفة فيها جرن أو أكثر ويتسع كل جرن لأربعة أشخاص، وجدران المقاصير مبلّطه بارتفاع 2.5 متر والأرض مبلّطة بحجارة مزية (نسبة إلى المزة) ذات ألوان مورّدة أو سوداء، وفي صدر بيت النار توجد مصطبة يستريح عليها الناس فور دخولهم إلى الجواني، أو في مرحلة الراحة من الحمام كي يتحلل العرق والتعب من أجسامهم، ما يسهّل غسلها بسرعة، وفي جدار المصطبة توجد طاقة يتراوح قطرها ما بين 30 ـ 40 سم تؤدي إلى حلل الماء ومنها يصرخ التبغ (عامل خدمة) على القميمي (عامل الوقود) لتعديل حرارة الماء حسب رغبة الزبون حيث تتميز بحرارتها العالية جدّاً.‏

وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحمّامات عند النساء ليست كما عند الرجال فالنساء غالباً ما يقمن بالأمور من منطلقهن الخاص، والحمامات عندهن لها طقوس خاصة فغالباً ما تذهب النساء إلى الحمام في مناسبات خاصة مثل حمّام العرس وحمام العمرة وهو ما يعتبر سداداً لدعوة أم العريس لحمام العرس وكذلك حمّام الفسخ (النفاس) حيث تُدهن المرأة بمزيج مائع من الزنجبيل والدبس وحبة البركة، ثم تجلس على بلاط بيت النار يعد أن يوضع تحتها بعضاً من الكمّون عليه بيضة دجاج نيئة وتبقى جالسة هكذا حتى تعرق عندها تستحم وتخرج لتجد طعاماً خاصاً في انتظارها وهو من مرق اللحم المسلوق أو المقادم حتى يكثر حليبها كما يعتقدون، كما يوجد حمام الأربعين وهو مخصص للمرأة بعد ولادتها بأربعين يوماً، ولكل نوع من هذه الحمامات تقاليدها وأعرافها ومظاهرها.. ومن طرائف الحمام أن النساء اللواتي كن يرغبن بالخطبة لأبنائهن يلجأن للحمام، فإذا صادفت الأم بغيتها أخذت تتقرب منها رويداً رويداً حتى تصل إلى أمها لتحدد موعداً مع أبيها لاٍستكمال إجراءات الخطبة..‏

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أطباء ـ أشعة