أوغاريت .. مدينة كنعانية على الساحل السوري
التسمية والموقع
تم
الاستناد على
رقيم
اكتشف في ( مملكة إبلا ) ،لمعرفة اسم المملكة وهي أُغارو التي معناها (الحقل) باللغة الأكادية.
تقع
أوغاريت (رأس شمرا) في الطرف الشمالي الشرقي لمدينة اللاذقية على بعد 11 كم (وحالياً
3 كم
بعد
التعديلات الأخيرة) على الطريق المؤدي إلى الموقع, ينتصب التل الأثري بين المزارع
التي تتألف منها قرية برج القصب على شكل مربع منحرف قليلاً، تبلغ مساحة سطحه
اثنين وعشرين هكتاراً، ومتوسط ارتفاعه عن مستوى الأراضي المجاورة يبلغ ثمانية عشر
متراً.
قصة اكتشافها
تم
اكتشاف
(أوغاريت) في عام
1928 مصادفة عندما اصطدمت سكة محراث فلاح من أهالي (رأس شمرا) بحجارة ضخمة تبين
فيما بعد أنها سقف لمدفن أثري، بدأت بعدها أعمال التنقيب الأثرية في
الموقع برئاسة عالم الآثار الفرنسي (كلود شيفر)، حيث أظهرت نتائج التنقيبات في الموقع
أنها واحدة من أشهر الممالك السورية في تاريخ الشرق القديم , اكتشف فيها حوالي0
2سوية أثرية (استيطان) تعود حتى العام 7500 ق.م , وتبين من اللقى الأثرية أنها
احتلت موقعاً متقدماً على خارطة الحضارات القديمة في المشرق العربي للأهمية التي
تمتعت بها ,وما قدمته من معطيات , وما تم الكشف عنه من آثار.
اسمها
كان
معروفاً
قبل اكتشافها مصادفة في العام 1928م,فقد ورد ذكرها في نصوص مملكة ماري، التي
تذكر زيارة الملك (زميري ليم) في العام 1765ق.م لأوغاريت , ومن رقيم آخر عثر عليه
أيضاً في وثائق ماري، وهو عبارة عن رسالة من ملك أوغاريت إلى ملك يمحاض بعاصمتها
حلب ,وكذلك ورد ذكر أوغاريت في النصوص (الحيثية) المكتشفة في (الأناضول) و سورية
ورسائل (تل العمارنة) المكتشفة في مصر .
أوغاريت عبر التاريخ
أوغاريت
مدينة
أثرية
قديمة تضخم الاستيطان فيها مع حلول الألف الثاني قبل الميلاد لتتشكل ما عرف باسم
أوغاريت , وقد تبين من الحفريات أن أوغاريت كانت عاصمة لمملكة بلغت مساحتها 5425 كم
مربع تقريبًا في القرنين الخامس عشر والثاني عشر قبل الميلاد وهي فترة ازدهار
المملكة.
يـُقدّر
عدد
سكان
المدينة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد بـ 8000 ـ 6000 نسمة وذلك اعتمادًا على
بقايا البيوت العشرة آلاف المكتشفة فيها، أما سكان باقي المملكة فيقدرون بـ 50000 إلى 35000 نسمة، موزعين على 150 ـ 200
قرية ومزرعة تابعة للعاصمة, وتبين النصوص وجود سكان حوريين وحثيين وقبارصة في
العاصمة أوغاريت، كذلك بعض الجبيليين والأرواديين والصوريين والمصريين.
كما
يشير عالم
المصريات
النمساوي ما نفريد بيتاك إلى أن الهكسوس في حوالي 1600ق. م, كانوا على علاقة
وثيقة مع الأوغاريتين وذلك من خلال ما بينته الحفريات في أوريس عاصمة الهكسوس،
وقد أشارت العديد من المصادر القديمة إلى أوغاريت وحضارتها ومدى تقدم سكانها
وازدهار الصناعة والتجارة مع حضارات البحر الأبيض المتوسط وكانت لأوغاريت أهمية
تجارية كبيرة.
أبجدية أوغاريت
بسبب
التقدم
والازدهار
الذي عاشته أوغاريت فقد كانت لغتهم من أهم اللغات قديما وأكثرها شمولا تحتوي
على 30 حرفا، وبجانب لغتهم الأساسية استخدم سكان أوغاريت لغات عديدة ووضعوا لذلك
قواميس متعددة اللغات، ولكن اللغة الرئيسية التي اكتـُشفت في رسائلهم هي لغة سامية
خاصة بهم تسمى بـ(اللغة الأوغاريتية) وكانت هناك في المملكة لغات أخرى مستخدمة
مثل اللغة الأكادية التي استخدمها سكان المملكة في تعاملاتهم مع بعض المناطق.
أظهرت
الحفريات
اثني
عشر رقيماً من رقم الأبجدية خلال موسم أعمال 1933م وما بعده ,وهي رقم تحمل أحرف
أبجدية أوغاريت الثلاثين بالترتيب الشائع في ذلك العصر تعود إلى القرن الرابع عشر
قبل الميلاد ، وهو الترتيب نفسه في الألف باء اليونانية وحروف الهجاء العربية. وعندما حلت رموزها من قبل المختصين
باللغات القديمة تبين أن اللغة الأوغارتية قريبة كل القرب من اللغة العربية من حيث
التراكيب وقواعد النحو والصرف، ومن حيث المفردات خاصة، ففيها نحو ألف كلمة هي نفسها في
اللغة العربية، كما تبين أن بعض الكلمات الأوغارتية ليست موجودة في اللغة
العربية الفصحى بل هي في اللهجة العامية الدارجة في الساحل السوري عامة وفي مدينة
اللاذقية خاصة , وهي تدرس الآن في حوالي خمسين جامعة في العالم.
وعثر
على نصوص
أخرى
مكتوبة باللغة الحورية واللغة السومرية ,كما عثر على بعض الرقم المكتوبة باللغة
القبرصية. أما الكتابة الهيروغليفية المصرية فتشاهد في نصوص منقوشة على بعض الهدايا
المرسلة من بلاط الفراعنة إلى ملوك أوغاريت أو إلى معابدها، وأما اللغة الحثية
فمكتوبة بالنمط المسماري في بعض الرقم، وبالطريقة الهيروغليفية في الأختام التي
مهرت بها الوثائق الرسمية الصادرة عن بلاد الحيثيين ,وهناك أيضاً نصوص أدبية ووثائق
القانونية، ونصوص رسمية ونصوص إدارية,وهناك نصوص اقتصادية تتناول التبادل التجاري
بين الأوغاريتيين أنفسهم أو التبادل التجاري بين أوغاريت وبلاد أخرى.
أهمية خاصة
تحتل
أوغاريت
موقعا
متقدما على خارطة الحضارات القديمة في الشرق للأهمية التي تتمتع بها وما قدمته
من معطيات وما تم الكشف عنه من آثار لمدينة متقدمة جيدة التخطيط والمباني ومدى
تقدم العلوم فيها والصناعة، وكشفت الحفريات في العاصمة أوغاريت العديد من الطرقات
المرصوفة، والدور والأبنية الجميلة للسكن والمباني الإدارية والحكومية، ومكتبة
فخمة في القصر الملكي، الذي يعتبر من أفخم القصور في الشرق القديم، بمساحة قدرت
بـ 10000 متر مربع طليت بعض أجزائه بالفضة، ويدافع عنه برج ضخم ذو جدران كثيفة.
أهم آثارها
وصلت
أوغاريت
إلى
قمة ازدهارها في منتصف الألف الثانية ق.م, ويدل على هذا الازدهار المباني المهمة
التي تم اكتشافها وهي القصر الملكي والأحياء الرسمية، ففي القسم الغربي من المدينة
مازال السور واضحاً، ولقد امتد خلف القصر الملكي الكبير، ويضم أكثر من مئة صالة
وفيه عثر على مجموعة من الأثاث المطعم بالعاج يمثل مشاهد دينية رمزية محفوظة في
المتحف الوطني في دمشق.
عند
زيارة موقع
أوغاريت
فإن شارعاً يقسم الموقع إلى قسمين القسم الشمالي وفيه القلعة والقصر والقسم الجنوبي
وفيه المدينة الرسمية , ومن الملاحظ أن عمارة القصر ذات طابع سوري متميز وفيه
تم اكتشاف الوثائق الملكية على رقم طينية ويتبع القصر الاسطبل الملكي وغرفة الكاهن
ومسكن الحاكم العسكري ومسكن الملكة الأم.
مدينة أوغاريت
تتألف
المدينة
من
الحي الجنوبي وحي المعابد والحي الشرقي أو المدينة المنخفضة والحي الغربي ويتضمن حي
المعابد معبد دجن والمكتبة ومعبد إيل، ولقد عثر خلال الحفريات المستمرة التي تمت في
موقع أوغاريت على الكثير من القطع الفنية نراها محفوظة في جناح خاص في المتحف الوطني
في دمشق منها أختام اسطوانية وأوان وقلادات ومنها تماثيل للآلهة(بعل) وشواهد نقش
عليها إله (إيل) مع ملك أوغاريت ومجموعة كبيرة من الرقم أي الألواح الطينية بعضها
مغلف بغلاف طيني وبعضها مدموغ بخاتم لأنه يحوي مرسوماً أصدره الملك الحثي ، وألواح
عاجية تغطي منضدة أو تزين سريراً ورقيم عاجي يمثل رجلاً أو امرأة، و رقيم الأبجدية
الصغير.
ومن
أشهر الرقم
المكتشفة
في أوغاريت رقيم عريض عليه أغنية صوفية ,ولقد كشف العالم الموسيقي كريمر لحن
هذه الأغنية ورأى أن الموسيقا السباعية الدياتونية كانت موجودة في أوغاريت قبل ظهورها
في بلاد اليونان بألف عام , ولقد سجلت هذه الأغنية مع جوقة في جامعة لوس انجلوس
على أسطوانات.
أهم المكتشفات
هناك
الكثير من
المؤلفات
التي تناولت مملكة أوغاريت ولا يمكن التحدث عنها كلها، ومنها :
ـ القصور الملكية: تم العثور على ثلاثة قصور وهي: القصر
الملكي، القصر الشمالي، والقصر الجنوبي ، وأهمها القصر الملكي وتم
الكشف عنه خلال مواسم التنقيب بين عامي 1939ـ 1950م، ويقع في القسم الشمالي الغربي
من المدينة، وهو أحد القصور الهامة في المشرق العربي القديم وتم بناؤه على عدة مراحل
من الحجارة والخشب، وتبلغ مساحته 7500 متراً مربعاً، ويتألف من 95 غرفة ويضم أيضاً
باحتين إحداهما تضم بكرة ماء في منتصفها وحديقة ومنطقة دفن ملكية تحت الأرض ,
وتشتمل حجرات القصر على قاعة استقبال، قاعة العرش، قاعات الانتظار، مكاتب، قاعات
المحفوظات، مخازن، مراكز حراسة، والقاعات الخاصة بالعائلة الملكية، وقد عثر ضمنه
على أعداد كبيرة من النصوص الكتابية اللقى المهمة التي تبعثرت بعد انهيار البناء،
كما تم العثور على حي سكني بالقرب من القصر إلى جانب التحصينات الدفاعية للمدينة
والقصر في نفس الوقت .
ـ منطقة الأكروبول: وتقع في الجزء
الشمالي من المدينة , وضمت معبدين وبيتاً كبيراً للكهنة ,المعبد الأول هو معبد بعل وعثر فيه على
عدة مسلات تمثل هذا الإله، وأهمها محفوظة في المتحف , وتبلغ مساحة المعبد حوالي
850 متراً مربعاً، ويتألف من مدخل بعدة درجات يفضي إلى باحة تضم مذبحاً مربعاً من
الحجر، ومن ثم في الجهة الغربية درج آخر يفضي إلى داخل الحجرة المقدسة، وقد أشارت
الأبحاث إلى أن الحجرة المقدسة كانت على شكل يشبه البرج وكان سطحه يستخدم كنقطة
لمراقبة المراكب.
أما
منزل كبير
الكهنة
فتبلغ مساحته حوالي 400 متر مربع، ويقع بين معبد بعل ومعبد دجن وتم العثور فيه
على الكثير من القطع والأسلحة المصنعة من البرونز ومنها ما حمل ذكر تقدمة إلى رئيس
الكهنة، وفي هذا المنزل عثر أيضاً على النصوص الكتابية التي تتعلق بالقصائد والأساطير.
ـ المدينة السفلى:
وضمت مجموعة من الأحياء السكنية، وتتوضع في الجزء الجنوبي من المدينة، وهي تعود
لعصري البرونز الوسيط والحديث ومساكنها مؤلفة من طابقين حيث تم العثور على بقايا
درج صاعد إلى طابق علوي، كما تم الكشف عن العديد من المدافن أسفل هذه المنازل , كذلك تم العثور على عدة آبار بالقرب من
مشاغل التعدين وصناعة الخزف وغيرها من الصناعات الأخرى التي اشتهرت بها
أوغاريت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق