دليل أطباء طرطوس

الاثنين، 17 مايو 2021

الجامع الأموي في دمشق.. تاريخ بدأ ولن ينتهي!

 

الجامع الأموي في دمشق..

تاريخ بدأ ولن ينتهي!

 


لا يمكن لأي زائر لمدينة دمشق سواء كان مواطناً سورياً أو سائحاً عربياً أو أجنبياً أن يزور معالمها دون أن تكون زيارة الجامع الأموي ضمن برنامج رحلته إن لم تكن أولها.. فالجامع الأموي أو جامع بني أمية الكبير الذي يتوّج قلب المدينة القديمة يشكل أقدم وأكبر وأجمل الأوابد القديمة ذات التاريخ الحافل في جميع العهود والحضارات التي تُظهر أنه كان سوقاً ثم معبداً وبعدها كنيسة، ثم انتصف إلى مسجد وكنيسة قبل أن يأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ببنائه من جديد مسجداً عُني به عناية خاصة، وحرص على إكسائه بالفسيفساء والمنمنمات والنقوش التي تعتبر أجمل ما زُينت به المساجد في تاريخ الإسلام.

 

بدأ العمل في عمارة المسجد عام 705 في عهد الوليد بن عبد الملك، واستغرقت عملية بنائه وزخرفته 10 سنوات، وتم بناء المسجد على هندسة قيل أنها مقتبسة من العمائر السورية القديمة، بينما يرى باحثون وعلماء أنه لا توجد عمائر قديمة تُشبه في تخطيطها مخطط الجامع، وأن شكل بنائه يخالف تقاليد العمارة السورية القديمة، وهو في واقع الأمر نموذجٌ معماريٌ متجانسٌ وزخارفه الإسلامية البديعة تنسجم مع البناء.

 

أوصاف الجامع

تبلغ مساحة المسجد كله 157 × 97 م، وتبلغ مساحة الحرم 136 × 37 م، أما مساحة الصحن فهي 22,5 × 60 م، وله أربعة أبواب، باب البريد من الغرب وباب جيرون من الشرق وباب الكلاسة من الشمال وباب الزيادة من الجنوب وينفتح من داخل الحرم، أما الصحن فإنه محاط من جوانبه الثلاثة بأروقة وأعمدة شامخة ارتفاعها 15,35م، ومن الجنوب تنفتح أبواب الحرم التي أصبحت مغلقة بأبواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملونة مع كتابات وزخارف رائعة، وتنهض الأروقة على صفٍ من القناطر المتراكبة، قنطرتان صغيرتان فوق كل قنطرة كبيرة، وتحملها سواري مربعة ضخمة وأعمدة، عمودان بين كل ساريتين في الجانبين ويبلغ عددها مجتمعة 47 سارية وعموداً، وهي تشكل واجهات الأروقة وواجهة الحرم المؤلفة من جبهة ثلاثية ذات نافذة مفتوحة على طرفيها نافذتان دائريتان، وتحت الجبهة واجهة مربعة في وسطها قوس كبير ضمنه ثلاث نوافذ، وترتكز هذه الواجهة على ثلاث قناطر محمولة على عمودين في الوسط، وركنين في الجانبين وتدعم هذه الواجهة من الطرفين دعامتان مربعتان ضخمتان، وعلى طرفي هذه الواجهة تمتد القناطر المتراكبة تسع قناطر إلى اليمين ومثلها إلى اليسار شرقاً، ومن الرواق تنفتح على الصحن 24 قنطرة ومن الرواقين الشرقي والجنوبي تسع قناطر.
أما حرم المسجد فهو مؤلف من قناطر متشابهة عددها 24 قنطرة تمتد عرضانياً موازية للجدار القبلي، يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيسي وحتى المحراب، ويغطي هذا الجناح المتوسط سقف سنمي في وسطه تنهض قبة النسر، وفي حرم الجامع أربعة محاريب، وفي أعلى جدار القبلة، تنفتح على امتداده نوافذ ذات زجاج ملون عددها 44 نافذة مع 6 نوافذ في الوسط، ويقوم إلى جانب المحراب الكبير منبر حجري رائع.

وتشرف على صحن الجامع 3 مآذن هي: قايتباي، عيسى، والعروس.

يحيط بصحن الجامع الرواق الغربي وهو يبدأ بباب بريد وعلى جدار هذا الرواق تتوضع أطول وأقدم قطعة فسيفسائية أموية أصيلة في العالم، والرواق الشمالي والذي يتوسطه باب العمارة، والرواق الشرقي والذي ينتهي بباب جيرون.

في جانبي الصحن من جهة الشرق والغرب أربعة قاعات مستطيلة الشكل سميت بمشاهد الخلفاء الراشدين، والمشهد عبارة عن قاعة كبيرة، بحجم بقية القاعات إلاّ أنها تنفتح على قاعة أصغر منها تتضمن مقاماً لرأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وقد استخدمت تلك القاعات كقاعات للحكم، وقاعات للتدريس والصلاة والاجتماعات وخزائن للكتب والمستودعات وغير ذلك..

ويتوضع حرم الجامع في النصف الجنوبي من الجامع وفيه ضريح النبي يحيى، وبئر بجانبه عمودان رائعان، ويطل الحرم بواجهته الجميلة على صحن الجامع، تعلو الحرم قبة النسر بعظمتها لتزيد البناء فخامة وعظمة.

 


 مآذن الجامع الأموي

استمر تشييد المآذن في الجوامع وفق التصميم المعماري الأموي وهو البرج المربع الشاهق طيلة قرون عديدة وانتقل هذا التصميم إلى العالم الإسلامي كله وقد أطلق العلماء والمؤرخين على هذا التصميم اسم الطراز السوري أو المئذنة السورية، ولم يتغير شكل المآذن إلاّ بعد القرن الثاني عشر حيث أخذت تظهر مآذن مضلعة وأخرى مستديرة، وللجامع الأموي 3 مآذن تشرف على صحن الجامع هي:

ـ مئذنة العروس: تقع في منتصف الرواق الشمالي للجامع فوق باب العمارة، لها عدة تسميات أشهرها العروس، وتسمى أيضاً مئذنة الكلاسة لإطلالتها على حي الكلاسة المجاور، وسميت بالمئذنة البيضاء والمئذنة الشمالية، شيدها الوليد وكساها بالذهب من أعلاها إلى أسفلها، ولم يبق من أصلها الأموي إلاّ بعض مداميك في قاعدة جذعها، تشرف على الرواق الشمالي لصحن الجامع ويتصل بها مئذنة صغيرة ثانية من خلال ممر مسقوف ينتهي بشرفة خشبية مضلعة يعلوها قبة صنوبرية بتفاحات وهلال دائري تعود إلى العصر المملوكي، كانت تزين بالفوانيس أيام الأعياد والمناسبات مما كان يزيد جمالها جمالاً ولذلك دعيت بالعروس، كانت مركزاً لتوقيت الصلاة، ومنها كان يرتفع علم أحمر اللون ليعلن وقت الصلاة، وفي الليل كانت تضاء إيذاناً ببدء الآذان.

ـ مئذنة قايتباي: شيدت على البرج الجنوبي الغربي للمعبد العتيق، وعلى الأغلب فقد كانت برجاً مربع الشكل وفق طراز المئذنة السورية، وفي عام 1401 دخل تيمورلنك دمشق واستباحها ثمانين يوماً وأشعل فيها النيران مما أدى إلى خراب فظيع شمل الجامع الأموي، وعلى إثره انهارت هذه المئذنة، وتمت عملية ترميم لها، بقيت على حالها حتى عهد السلطان قايتباي عندما أعطى أوامره بتجديدها وفق الطراز المملوكي السائد آنذاك، وهي أول مئذنة شيدت في دمشق على هذا الطراز، أصابها أضرار بعد زلزال 1759 فأعيد ترميمها على نفس الطراز التي كانت عليه، يتشكل جذعها من مثمن يرتفع فوق قاعدة البرج العتيق، في أسفله ثمانية نوافذ صماء ثلاثية الفصوص ومن أعلى هذه النوافذ تبدأ مداميك حجرية سوداء تساير انحناء أقواس النوافذ لتشكل في أعلاها ثمانية دوائر متناوبة الزخارف والنقوش وفي أعلى هذا الجزء تتدلى مقرنصات مُكَّوِنة قاعدة لشرفة المؤذن المسيَّجة بدرابزين حجري منقوش، وفوق الشرفة ساترة يعلوها القسم الثاني من المئذنة وبقطر أصغر، تتكرر فيه الزخارف الدائرية بشكل أصغر من الدوائر السفلية ومتناسبة مع قياسات فروق الحجم بين الجذعين وفي أعلاها تتدلى مقرنصات تعلوها شرفة المؤذن الثالثة، ويعلو الشرفة جذع اسطواني قطره أصغر ينتهي بجوسق يحمل ذروة صنوبرية يعلوها ثلاث تفاحات وهلال كامل الاستدارة من النحاس.

ـ مئذنة عيسى: شيدت على برج المعبد العتيق، في الزاوية الجنوبية الشرقية للجامع بشكل برج مرتفع مربع الشكل، وتنقسم المئذنة إلى كتلتين متنافرتين لا رابط بينهما، الكتلة السفلية مربعة الأضلاع أموية الشكل أيوبية الطراز، وترك الترميم المملوكي لها بصماته من خلال النوافذ المقوسنة والشبيهة بنوافذ مئذنة العروس، أما الكتلة الثانية فتأتي مباشرة وبانتقال غير متناسب هندسياً إلى جذع مثمن الأضلاع نحيل عثماني الطراز يتضمن شرفتين للمؤذن بمقرنصات خفيفة بدون مظلات ساترة، يعلو المئذنة قلنسوة مخروطية الشكل يعلوها ثلاث تفاحات وهلال كامل الاستدارة.

 


 القباب

تتوضع في صحن الجامع قبة الخزنة وقبة الوضوء وأعمدة البخور وقبة الساعات:

ـ قبة الوضوء: في وسط صحن الجامع الأموي يوجد قبة قائمة على بحرة، وهي مجوفة مثمنة من رخام بديع قائمة على أربعة أعمدة رخامية في وسطها أنبوب ماء من النحاس يمج الماء إلى الأعلى، ولكنها تهدمت وأزيلت تماماً إثر زلزال عام 1759 الذي هدَّمَ جوانب عديدة من الجامع الأموي، أما القبة الحالية فهي عثمانية الطراز عَمَّرها والي الشام عثمان باشا عام 1769، وتتألف من بحرة مثمنة الأضلاع يحيط بها شادروان مربع يقوم على ثمانية أقواس في كل جهة قوسان مدببان حُملت على ثمانية أعمدة يتناوب مداميك الحجر فيها باللونين الأبيض والأسود قائمة على بركة ماء.

ـ قبة النسر: بنيت في عهد الوليد، وكانت قد سقطت بعد بنائها لأول مرة، وقد أحزن سقوطها الوليد، فجاءه بنّاء شامي واشترط عليه أن لا يعمل فيها أحد غيره، فكان له ذلك، فوضع الأساسات وغاب بعدها عاماً كاملاً، وعاد إليها فوجدها قد نزلت قليلاً، فقال للوليد من هنا كان سقوطها فابنه الآن فإنها لا تهوي إن شاء الله، وتم البناء واستقرت.. ترتفع القبة عن أرض صحن الجامع 45 م ويبلغ قطرها 16 م، جددت في عهد نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي عام 1075 وقام صلاح الدين الأيوبي بتجديد ركنين منها عام 1179، وفي عام 1201 تشققت القبة إثر الزلزال المدمر الذي ضرب دمشق آنذاك، وقيل أنها سقطت على الناس، وبعد حريق عام 1479 الذي بدأ في الأسواق المحيطة للجامع والذي أتى على الحرم انهارت القبة وأعيد بناؤها، ثم أعيد إعمارها بعد الحريق الكبير عام 1893.

ـ قبة الخزنة: عُرفت منذ إقامتها بقبة المال، شيدت على ثمانية أعمدة من الغرانيت بتيجان كورنثية، يعلوها ثمانية جسور من الحجارة عليها زخارف رومانية أعيد استعمالها، وبني فوقها غرفة من ثمانية جدران من مداميك يتناوب فيها الحجر الأبيض والأسود، وكانت مكسوة بالفسيفساء من النوع نفسه المستخدم في كسوة الجامع، ولهذه الغرفة باب صغير من الحديد محكم الإقفال،

كانت مليئة بالكتب والمخطوطات القديمة، وتتميز هذه القبة بمنظر أعمدتها الغائر في أرض صحن الجامع.

 


باب جيرون

هو بوابة الجامع الأموي من جهة الشرق، يشرف على حي النوفرة، له تسميات عديدة أشهرها باب جيرون، يتألف من ثلاث فتحات، الوسطى هي البوابة الضخمة وعلى جانبيها بابان صغيران، والدرج القديم المؤدي لهذه البوابة الضخمة مازال قائماً ويوجد بقايا أعمدة ضخمة وقوس هي من بقايا السور العتيق، كانت هذه البوابة الضخمة بأقسامها الثلاث مؤلفة من خشب الصنوبر القاسي المكسو بالنحاس المطعمة بمسامير بارزة وبنقوش غاية في الجمال، بقيت هكذا حتى عام 1250 حيث حريق الجامع الأموي الكبير الذي أتى على حي النوفرة وعلى هذه الأبواب التي شوهها، وبعد حملة تيمورلنك على دمشق أُتلف الباب مع الجامع وسد البابان الصغيران حتى العهد المملوكي حيث تم تجديدهم بطرز مملوكية مازالت واضحة حتى الآن، والبابان الصغيران اليوم مصفحان بالنحاس والمسامير وعلى الباب اليميني يوجد شعار الملك المؤيد، وفيها عبارة: (عز لمولانا السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ) والشعار والكتابة من النحاس المطرق، والباب مؤلف من 6 مربعات في زوايا كل مربع زهرة لها ثمانية بتلات، يتموضع الشعار في المربعين الوسطيين.
الباب الصغير الثاني مشابه للباب اليساري، وفي وسطه شعار لشيخ الخاصكي، والخاصكي هو الحرس الخاص لسلطان المماليك، وقد كان نائباً على دمشق، قبل أن يستلم السلطنة فيما بعد وهو رابع سلاطين المماليك الشراكسة، توفي بمصر عام 1421، أما الباب الكبير فهو حديث نسبياً يخلو من أي زخارف أو نقوش، وهو من الخشب يعلوه عقد محدب من الحجر الأبيض بلا نقوش، تعلوه قمرية مزينة بالزجاج المعشق، وقد أطلقت على هذه البوابة تسميات عديدة، فقد سميت باب الساعات، باب اللبادين، باب القيمرية، وباب النوفرة
.

 

 

متحف الجامع الأموي
في ركن الزاوية الشمالية القريبة من الجامع أقيم متحف الجامع الأموي عام 1989 م، ويضم نفائس الجامع القديمة وبعض الأحجار والسجاد واللوحات الخطية الجميلة، مع مصابيح إنارة وقطع فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقود إسلامية وساعات وصفحات من المصاحف المخطوطة القديمة والكثير من الأثريات الهامة في تاريخ الجامع العريق.

فسيفساء الجامع الأموي

تناول مصمم الفسيفساء في الجامع الأموي مواضيع مختلفة في بعض الأحيان ومشابهة للمواضيع التي نُفذت في قبة الصخرة أحياناً أخرى، وهذا التشابه يتجلى في تحوير العناصر النباتية مثل ورق الإكنثة، ولكن الشيء الجديد المختلف في مواضيع الجامع الأموي هو تصوير العمارات والأنهار، أما الأشجار التي تبدو واضحة كشجرة زيتون أو نخلة فهي موجودة في قبة الصخرة دون أن يبدو فيها أثر لصور العمارات أو الأنهر، وفي الجدار الغربي لبوابة الجامع الكبير بقايا رئيسة لأقدم زخارف هذا المسجد، فيها تعبير عن أبنية متنوعة وأشجارٍ ونهرٍ، يقال أنه يعني مدينة دمشق بغوطتها وأبنيتها التي تطل على نهر بردى،
بينما يؤكد آخرون أن الرسوم تعبير عن اتساع الدولة العربية في ظل الأمويين.

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أطباء ـ أشعة