قلعة دمشق.. الصامدة في وجه التاريخ

 

قلعة دمشق.. الصامدة في وجه التاريخ

 

 

يعود بناؤها إلى عهد تاج الدولة (تتش بن ألب أرسلان) السلجوقي 471هـ/1078م، وكان سور دمشق خرباً فاستُعملت حجارته الرومانية في بناء القلعة، وحينما أمر نور الدين محمود زنكي بتحصين مدينة دمشق، وترميم أسوارها، أضاف أبنية دفاعية جديدة للقلعة.. وفي أيام صلاح الدين الأيوبي استعصت عليه القلعة حينما احتل دمشق عام 570هـ/1174م ولكنه تسلمها صُلحاً فيما بعد، وجعلها مركز حكمه. فرمّمها وأضاف إليها أبنية أخرى، وعاش وتُوفي فيها عام 1193م، ودُفن في قسمها الغربي، وبعد ثلاث سنوات، نُقل جثمانه إلى المدرسة العزيزية.

 

 هدم الملك العادل بن أبي بكر بن أيوب شقيق صلاح الدين 599هـ/1202م القلعة السلجوقية، وأقام الحالية، وبقي العمال يعملون في بنائها مدة 12 عاماً حتى صارت منيعة وحصينة، وجُعِلَ فيها مصنع للأسلحة، وأبراج للحمام الزاجل، ودار لصك النقود، وسجن، وحمّام، وقاعة عرش، ومسجد، ومدرسة، ومنازل للأعوان، حتى صارت وكأنها مدينة صغيرة، وسُميت بالقلعة المنصورة، وجمع في بلاطه الكثير من العلماء والفلاسفة منهم عماد الدين الأصفهاني وبهاء الدين بن شداد.. بعد الملك العادل أتى أربعة سلاطين اهتموا بالقلعة وحصّنوها، وهم عيسى والصالح إسماعيل والملك المعظم وهم أبناء الملك العادل ثم أتى أخوه الملك الكامل.

قاومت القلعة هجوم المغول وعلى رأسهم هولاكو 658هـ/1260م، ولكنهم تابعوا حصارها، وضربوها بالمنجنيق، حتى دخلوها فنهبوها وهدموها، وأعدموا واليها، وبعد هزيمتهم في معركة "عين جالوت" قرب الناصرة في فلسطين على يد "الظاهر بيبرس" وقائده المملوكي "قطز" صارت القلعة لنائب السلطنة الأمير "علاء الدين سنجر" الحلبي.

وحينما حكم "الظاهر بيبرس" دمشق، رمَّمَ حصن القلعة، وتُوفي فيها، ونُقل جثمانه إلى المدرسة الظاهرية، واستمر المماليك بتحصينها والاهتمام بها خلال حكمهم بين 1259 و1516م، وحينما جاء العثمانيون بين عامي 1516 ـ 1918، استعملوها قلعة، وثكنة عسكرية، وأضافوا إليها بناءً مساحته ألف متر مربع خاص بالإدارة، وفي أيام الفرنسيين 1919 ـ 1946 صارت سجناً مدنياً، ومقراً لبعض عناصر الشرطة، وفي عهد الاستقلال 1946 بقيت سجناً، ثم أخليت، وبدأ الترميم فيها منذ تشرين الثاني 1984.

 

وصف القلعة

تقع في الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق القديمة، وهي نموذج ممتاز للعمارة العسكرية الأيوبية، امتدت ما بين باب الفرج شمالاً وباب النصر غرباً، وهي القلعة الوحيدة في سورية التي لم تُشيّد على مرتفع، بل على مستوى الأرض، كان حولها خندق عرضه حوالي 20م، وأبعادها 150×250 متر مربع، وشكلها شبه منحرف، يحيط بها سور واحد، سمكه بين أربع أو خمس أمتار،  كانت تُرمّم وتصلّح في جميع العهود، ولكن ذلك لم يُؤثر كثيراً على طابعها الأيوبي، ففيها أبراج مستطيلة، ومربعة، عددها 12 برجاً، كل منها يتألف من عدة طوابق، وفي كل طابق ردهة واسعة معقودة بالحجارة العادية، والحجارة الضخمة المدببة، وهي مجهزة بشرفات بارزة، لصب السوائل المغلية، والقذائف المشتعلة، وعددها بين أربعة أو خمسة، اقتبسها الصليبيون عن العرب فيما بعد، وفي أعلى الأبراج أفاريز، وشراشيف مدرجة، وأبواب مقرنصة، أما مرامي النبال فكانت شقاً طويلاً، لكنها أصبحت في القرنين 12 ـ 13 الميلادي على شكل محراب بين جدارين مائلين بشكل متعاكس، وكانت سفوح الجدران السفلية مائلة، وسماكتها ثلاثة أمثال غيرها لتكون أكثر مقاومة للمنجنيق، كما استعملت جذوع الأعمدة بشكل أفقي لدعم الجدران، ونحتت الحجارة بشكل بارز بمقدار 10 ـ 30 سم، وكانت القاعدة محاطة بإطار عرضه 5 سم، مما جعل القلعة حصينة وقوية.

للقلعة أربعة أبواب، اثنان منها رئيسيان، هما الشمالي والشرقي، أما الآخران فهما سرّيان، يُؤديان إلى الخندق الذي كان يحيط بالقلعة، كما أقام العثمانيون باباً مكان باب السر الغربي، ومن أكثر الأبواب جمالاً هو باب القلعة الشمالي فله مقرنصات نُقشت عليه قرارات عسكرية وإدارية، أما باب القلعة الشرقي فكان الباب الرئيسي للقلعة ويقود إلى المدينة القديمة، ويُفتح على سوق العصرونية حالياً، لذلك عُرف باسم باب المدينة، وعُرف خلال حكم السلطان المملوكي الظاهر "برقوق" باسم باب النصر الظاهري وكان له جسر خشبي متحرك، واستعمل هذا الباب للدخول والخروج إلى دار الإمارة مقر السلطان أو نائبه، وكان أقل حصانة من غيره لأنه أقل تعرضاً للخطر، والطريق منه إلى الداخل ملتوٍ وغير مستقيم، عرض الباب 266 سم ويقع ضمن إيوان، عرضه 4.21م وعمقه 2.20م، ويقع الباب بين برجين متقاربين المسافة بينهما 10 م فقط، مزوّدة بمرامٍ لصب السوائل المغلية على المهاجمين، والباب موجود في الجدار الجنوبي للبرج، تُزينه مقرنصات ويعلوه قوسان متراكبان. فوق الباب كتابة من العهد المملوكي، تتضمن مرسوماً سلطانياً بشأن خزائن السلاح، صدر عام 781هـ، وعلى جانبي إيوان الباب نص آخر يتضمن تاريخ فتح القلعة عام 794هـ من قبل السلطان الظاهر أبو سعيد برقوق.

يُؤدي الباب الشرقي إلى ممر يعرف بممر باب الحديد، ويقع شمال القلعة المحاذي لنهر بانياس، وباب الحديد هو عبارة عن بابين، أحدهما خارجي، جُدّد في القرن 15 للميلاد، والآخر داخلي، والممر بينهما معقود بالحجارة، وقد جُدّد هذا الباب مع القلعة في العهد المملوكي، أيام حكم نوروز الحافظي عام 809 م، وكانت هناك قبة صغيرة، أما باب السر فكان يستعمله حاكم القلعة سراً في الخروج والدخول إليها، ويقع غرب القلعة، ويُفتح على منطقة السنجقدار حالياً، وهناك باب السر الجنوبي ويقع قبالة دار السعادة، ولا تخلو قلعة أيوبية من باب السر، والردهة الطويلة بين المدخل الشمالي والشرقي مغطاة بقبة، استخدمت سجناً فيما بعد، وفي آخر الساحة توجد ردهة كبيرة مربعة، طول ضلعها 20م، تعلوها قبة، وتدعمها أربعة أعمدة كورنثية.

 

أبراج القلعة

أهمها برجان مستطيلان أبعاد كل منهما 13×26م، بُنيت أيام الملك العادل، كل واحد منها يتألف من ثلاث طبقات، في كل واحدة خمس فتحات للرمي، وحول كل سطح شراشيف، فوقها كوات مستطيلة مسننّة.

أما البرج الذي في الزاوية الشمالية الشرقية، فهو برج متقدم للدفاع، على واجهته الشرقية كتابة تعود للعهد الأيوبي، بالخط النسخي، وقد أُحدثت فيه كوة مستطيلة للرمي في القرن السادس عشر الميلادي.

في القلعة بقايا القصر الملكي وقد أُزيلت طبقته العليا، كما اكتشفت في القلعة آثار مساكن وسراديب من فترة ما قبل الأيوبيين، ويقع جامع أبي الدرداء في جهة نهر عقربا قرب المدخل الشمالي.

 

القلعة الحية

ما يميز قلعة دمشق عن غيرها من القلاع الأثرية أنها لم تتحول إلى أثر للزيارة فقط، بل استمرت الحياة فيها من خلال المهرجانات والحفلات والمعارض التي تقام بين ربوعها على مدار السنة.