دليل أطباء طرطوس

السبت، 22 مايو 2021

قلعة العليقة.. شــاهـد على حضـارة عـــريقـة

 

قلعة العليقة.. شــاهـد على حضـارة عـــريقـة

 

 

إحدى القلاع الأثرية المنسية في مدينة بانياس الساحلية، تميزت عن غيرها من قلاع العالم بأنها مبنية على صخرة واحدة، تتربع بشكلها الدائري البيضاوي بين أحضان جبال البهرة (سلسلة الجبال الساحلية اليوم)، و سورها المرتفع تحيط به الوديان من معظم الجوانب لتبدو وكأنها قلعة معلقة تسبح في الفضاء، مطلة على البحر وترتفع حوالي 815 متراً، تكثر فيها أشجار الجوز والتين والعنب والرمان.‏

تقع على بعد 85 كيلومتراً عن طرطوس وحوالي 20 كيلو متراً إلى جهة الشمال الغربي عن قلعة القدموس وإلى الشرق من وادي جهنم الشهير، أما مساحتها حوالي 18 دونماً، كان يتم التواصل بينها وبين القلاع (المرقب، القدموس) في الساحل السوري من خلال الشهب النارية كونها مطلة على بعضها البعض حيث تتمركز القلاع الثلاث على قمم جبلية متقابلة في المحافظة.‏


 سبب التسمية‏

سميت (العليقة) لكثرة نبات (العليق) فيها، وهو نبات أخضر ينبت بكثافة بين حجارة القلعة كأنه يربط بعضها البعض، ويقال إن الصخرة التي بنيت عليها القلعة هي امتداد لجبل تم فصله باليد العاملة ومازالت جهتا الجبل الذي تم فصله واضحتين حتى الآن، وقد سكنها أهالي قرية (العليقة) المجاورة للقلعة فترة من الزمن إلى أن وضعت الآثار يدها عليها في العام 1980 ولم تزل على حالها منذ ذلك الحين، حتى إن بعض حجارتها بدأت بالانفصال عن الصخرة الرئيسية والسقوط بفعل العوامل الجوية.‏

أصل وجودها:‏

لم تذكر المصادر التاريخية اسم بانيها الأول، وقد تضاربت الأقوال في أصل وجودها، ولكن حسب كتاب دليل سورية السياحي ص144 مكتوب أنه قد بنيت عام 1040 م، دون ذكر التفاصيل، وربما تعود إلى العهود الرومانية اليونانية حيث عثر على آثار يونانية غير بعيدة عنها.‏

ـ استلمها الملك الظاهر بيبرس الذي عزل عنها (نجم الدين الشعراني)، ثم عين مكانه (خالد الدين بن الرضي) وفرض عليها ضريبة سنوية، ولقد تم ذلك عندما تمكن من فتح قلعة حصن الأكراد عام 1271 م.‏

ـ احتلها (سنان راشد الدين) وضمها إلى قلاع الدعوة، وقد رمم أسوارها وحصنها (سنقر العجمي)، ثم تسلمها (أبو بكر العليشي) بعهد (محمد بن قلاوون) وتولاه (الرضي) ثم ولده (صارم الدين)، فجرت من صارم الدين أمور أوجبت اعتقاله بمصر مما اضطره إلى تسليمها للعسكر المقيم (بيلاطنس).‏

ـ يروى أن (محمد بن عماد القلعجي) استولى عليها مرة وأخيراً انتهت إلى الإسماعيلية وظلت تحت حكمهم وفي ملكيتهم حتى وقت قريب عندما باعها أصحابها ونزحوا إلى (مصياف والسلمية وتل التوت).‏

 


أقسامها وأوصافها‏

رممت القلعة في عهد الملك سنقر أحد قادة الجيش العثماني حسب أقسامها ودلالات ما بقي من أجزائها المتهدمة في معظمها.‏

لها مدخل وحيد لا يمكن لأي كان دخولها إلا من خلاله حيث كان يقف الحراس على الباب الرئيسي ويتصلون من خلال إشارة متفق عليها بالملك أو أعوانه من خلال فتحة موجودة في سقف المدخل في حال وجود زائرين أو وجود أخطار خارجية.‏

المدخل من الجهة الشمالية الشرقية لأن طبيعة المدخل ومكانه تتناسب مع طبيعة الأرض حيث يتم الدخول بشكل مناسب من هذه الجهة بعكس باقي الأماكن، فهي تتميز بالارتفاع والإحاطة بالوديان ما يتعذر إمكانية الدخول من هذه الجهة والتعامل مع المدخل بشكل سليم, وبالتالي فجهة المدخل أكثر أمناً بالنسبة لأهل القلعة حيث يمكن الدخول إليه مع حمايته بشكل مناسب, والمدخل إلى القلعة يتم بشكل مواز لجدار القلعة وليس بشكل عمودي عليه بسبب تقليل الارتفاع أثناء الصعود حيث يتم ذلك بموازاة الصعود لخطوط التسوية وبالتالي يتم الصعود بشكل مناسب ومنساب وإلا لصعب تحقيق الوصول إلى القلعة بشكل مريح، هذا إضافة إلى أن المدخل لا يتسم بالاتساع وذلك لجعل كثافة الجنود المهاجمين محدودة بحيث يسهل القضاء عليهم بسهولة, وعدم تميزه بشكل كبير قد يكون تمويهاً للعدو, ولتأمين الحماية يتميز المدخل بالانكسار وبوجود سقاطات، ومن مواصفات المدخل أنه يوازي جدار القلعة حيث يتم الوصول بين السوريين دون الدخول والبقاء في محيط القلعة قبل الدخول إلى القلعة الأصلية.‏

تأخذ القلعة شكل الأكروبول حيث نجد التدرج في الارتفاع، يتوضع في المركز القسم الملكي وحوله المنازل وتتدرج بالانخفاض حتى السور الخارجي الذي يحتوي كثيراً من الأبراج الدفاعية التي تساهم في تقوية السور الذي يرتفع بحيث تحيط الوديان من معظم الجوانب لهذا تبدو وكأنها قلعة معلقة تسبح في السماء.‏

أما وجود الأبراج على محيط السور وذلك لناحية دفاعية وخاصة إمكانية الهجوم من الجهات المناسبة لتواجد العدو, وقد يكون كثرة وجود الأبراج من أجل التمويه ولعدم تحديد المدخل بشكل أسهل.‏

كما تحتوي القلعة على جدار لقصر متهدم يروى أنه كان قصر (بنت الملك)، يتميز بنوافذه الضيقة من الخارج والواسعة من الداخل والتي كانت تستعمل للأغراض الدفاعية أثناء الحروب.‏

أسوار القلعة‏

للقلعة سوران أحدهما ضمن الآخر وبهذا تصبح القلعة ضمن قلعة حيث تتوزع الأبراج والقناطر عليها إلا أن جزءاً منها تهدم عبر الأزمنة، وكانت بوابتها الرئيسية واضحة المعالم حتى وقت قريب، كانت تغلق ليلاً وذلك بسبب السكان الذين أقاموا فيها، إلا أنها تهدمت وأزيلت في وقتنا الحالي.‏

ويعتبر وجود السور الأول كخط دفاعي أول، ووجود السور الثاني كخط دفاعي ثان حيث تبلغ سماكة السور الخارجي بين (2-3) م والداخلي حوالي (1.5) م، حيث يحيط بالملك والحاشية وقاعة العرش والقصر.‏

وربما وجود بروز في سور القلعة على شكل تجويف من أجل وضع شعلة تشعل في الليل للدلالة على مكان القلعة,ونجد في بوابة السور الداخلي الأحجار المتعاشقة في القوس، حيث إن التعاشق يكون أقرب إلى أعلى القوس منه إلى أسفله بمعدل ثلث في الأعلى إلى ثلثين في الأسفل (وذلك من أجل مقاومة قوى الضغط الناتجة من القوس حتى تمنع القوس من الانهيار).‏

أما بوابة السور الداخلية فهي جيدة وفريدة من نوعها وحجارتها متداخلة كتب عليها بعض الكلمات غير المقروءة بسبب عوامل الحت الطبيعية، بالإضافة إلى ذلك تضم القلعة أقنية فخارية جيدة البناء وعلى جدران بنائها صور حلقات للرقص كانت موجودة منذ فترة زمنية قصيرة ويبدو أن معظمها قد أزيل.‏

تحوي القلعة جامع قد تهدمت جدرانه فلم يبق منه سوى الأقواس المتقاطعة مع بعضها وهي تستند على دعائم بجانبه بئر ماء أخرى محفورة بالصخر ويتسع على شكل مخروطي، كما يوجد بئر ماء أخرى محفورة بالصخر على مقربة من الحمام.‏

أما جهة المسجد فهي محددة بالجنوب (القبلة)، يتبع الجهات الأصلية حتى لو كان هذا المسجد أصله كنيسة فالمذبح يتجه نحو الشرق أيضاً.‏

ويعتبر الحمام من أهم المعالم الأثرية فيها ويقع في الجهة الغربية ما بين السور الثاني والأول ولكن يصعب النزول إليه لأن البوابة الرئيسية شبه مسدودة حالياً بسبب الأشواك البرية حيث يناسب وجوده قرب المسجد، إضافة إلى وجود المياه في موقع الحمام، يبلغ طول الحمام 8.45 م، وعرضه6 م، أما سقفه فمعقود نصف أسطواني يتخلله أقواس متقاطعة وتضم تحسينات مثلثة تحتوي على خزان ماء محفور بالصخر وقد تصدعت درجاته بفعل الزمن كما أن جدرانه طليت بالكلس الأبيض.‏

الآثار المكتشفة‏

لا تزال معالمها باقية وقد عثر عليها في القناطر والأبراج، وهنالك حجر كتب عليه كلمات مبهمة ولكن أمكن الاستخلاص منها ما يلي: أمر بتجديد هذا البرج الزردخاني المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى صقر العجمي النيطري عام 1271 م.‏

كما عثر منذ فترة على أربعة غرف كلسيه بيضاء تحت الأرض وهي حالياً مطمورة وغير ظاهرة، وعلى مقربة من القلعة توجد مقبرة، كما وجدت كتابة على أحد الأحجار التي تشكل برجاً كبيراً وقد كتب عليها: (أمر بعمارة هذا البرج الزردخاني شيحا جمال الدين) وهذا كان من القادة الذين خاضوا معارك بحرية كبرى ضد الصليبيين.



أثناء قيام أحد السكان الذين كانوا يسكنون القلعة بحراثة الأرض في القلعة اكتشف تحت الأرض التي يحرثها مجموعة من الغرف يمكن أن تكون قد استخدمت كملاجئ أو مستودعات أو للسكن.

إضافة إلى وجود عدد كبير من المنازل داخل القلعة وخاصة داخل السور الداخلي بعضها لم يبق منه سوى الأساس الحجري، وبعضها قائم يدل على الإنشاء واستعمال الحجارة في البناء وهي حجارة مختلفة الأحجام تصف على شكل (مداميك) لتشكل الجدران التي تكثر فيها الفجوات التي تستخدم لأغراض منزلية إضافة إلى التسقيف على شكل قبوات أسطوانية لمقاومة قوى الضغط.‏

الوصــــول إليهـــا‏

إما عن طريق بانياس حيث يتم سلوك طريق عام (بانياس ـ العنازة) وبعد المرور بالعنازة يمكن الاتجاه نحو قرية (نحل) وبعدها يتجه الطريق إلى أسفل الوادي ثم لا بدّ من الصعود إلى قمة الجبل المقابل لقرية نحل حتى الوصول إلى قلعة العليقة، أو عن طريق عام (طرطوس ـ اللاذقية) يمكن أن يسلك الزائر طريق العنازة عن الطريق العام بحوالي 5 كلم عن بانياس باتجاه اللاذقية.‏

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أطباء ـ أشعة