معلولا.. عروس الصخر
إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق، على
بعد يقارب
قصة التسمية
روايات متعددة تحمل كل منها أسباباً
مختلفة لاسم (معلولا) بدءاً من القول أن معلولا كلمة آرامية الأصل تعني المدخل
لوقوعها في شعب جبل ضمن سلسلة جبال.
وصولاً إلى ارتباط الاسم بأسطورة قديمة
تروي قصة (القديسة تقلا) تلميذة (بولس الرسول) التي هربت من قومها والتجأت إلى
إحدى المغاور في جبل القلمون، ثم نالت شهرة واسعة بسبب شفائها الكثير من المرضى من
علل مستعصية، فأخذ المرضى يقصدون المدينة بغرض الشفاء، ومن هنا جاء اسم معلولا أي:
المكان الذي يقصده المعلولون.
وانتهاء بقول مصادر أخرى أن (معلولا)
مشتقة من فعل سرياني هو (عليّ ALAYA) مالايو، معالايو، المرتفعة.. أي:
رفع، علا، العلو، الارتفاع.. وفي نسبة الرجل والمرأة إلى هذه البلدة يقولون في
السريانية (معلّي) مذكر مفرد جمعه (معلّين) و(معلّوي) مؤنث مفرد جمعه (معلّيات) أي
معلولية وجمعها معلوليات.. ويؤيد موقع البلدة هذين الاشتقاقين إذ هو في مكان مرتفع
عما سواه من الجهة الشرقية والجنوبية والغربية..
أبرز معالم البلدة
تتميز بيوت قرية معلولا بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات بحيث لا تعلو
الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى أروقة
ومعابر لما فوقها من بيوت، أما الأوابد والأحجار الضخمة والمغارات المحفورة في
الصخر فتحكي قصة تاريخ آلاف السنين منذ العهد الآرامي الذي كانت فيه معلولا تتبع
مملكة حمص إلى العهد الروماني الذي سميت فيه معلولا (سليوكوبوليس) وإلى العهد
البيزنطي الذي لعبت فيه دوراً دينياً مهماً عندما أصبحت بدءاً من القرن الرابع
مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر.. ومن أهم المعالم في معلولا:
ـ دير مارتقلا: يضم رفات القديسة تقلا ابنة أحد الأمراء السلوقيين وتلميذة القديس
بولس، ويقع في مكان بارز من القرية ويطل من جوف الكهف الصخري الذي عاشت فيه بعد
هروبها من أهل السوء حيث لا يزال هذا الكهف ظاهراً وفي رحابه بني دير مار تقلا
الذي بقي حتى الآن رمزاً للقداسة وحياة القديسين. وتعيش في دير مارتقلا رهبنة
نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه الذين يأتون إليه من كل صوب للتبرك، وإذا
أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة شاهد القلالي (أي غرف الانفراد
الصخرية) التي كانت خلوات للمتوحدين الرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل
والتقشف والزهد مما يدل على أن معلولا كانت مدينة رهبانية ترتفع منها الصلوات
والتضرعات ليلاً نهاراً إلى الله.
ـ الفج.. أعجوبة معلولا: شق
في الجبل يحدث ممراً ضيقاً من طرف الجبل إلى طرفه المقابل وفي هذا الشق ساقية ماء
تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم يتقاطر عليها الناس من كل مكان ليرشفوا من مياه
بركاتها وينالوا نعمة الشفاء من المرض والطهارة والنقاء، يقسم الفج القرية إلى
شطرين ونشأ حين أراد المسيح حماية مارتقلا التي هربت من حكم الموت الذي صدر بحقها
فكانت العجيبة التي أبقت الفتاة الهاربة في شطر والجنود الرومان في الشطر الآخر
حسب روايات سكان معلولا.
ـ دير
سركيس: بني في القرن الرابع الميلادي على أنقاض معبد وثني وصمم على نمط الكنائس
الشهيدية البسيطة المظهر وسمي باسم القديس سركيس أحد الفرسان السوريين الذين قتلوا
في عهد الملك مكسيمانوس عام
ـ
كنيسة التوبة: أسفل دير مارتقلا كان يوجد هيكل وثني قديم يدعونه حمام الملكة، كان
من عادة القوم الاجتماع فيه رجالاً ونساءً يتناولون الطعام والشراب بنوع من
الإفراط ويرتكبون الفاحشة، ويروى أن القديس بولس شهد ذات يوم ما يقوم به القوم
فأنذرهم بغضب الله وكان ذلك قريباً إذ انهار الحمام على من كان فيه ومنذ ذلك الحين
أنشئت كنيسة بالقرب من الحمام المذكور سميت كنيسة التوبة.
ـ صخرة الإلهين: شرقي
معلولا توجد كتلة صخرية بارتفاع حوالي أربعة أمتار في قمتها ثلاثة قبور نقرت في
الصخرة وفي وجهها الشرقي نافر يمثل إلهين متقابلين الأول ملتحي يحف برأسه إكليل ذو
ثلاثة عشر شعاعاً ويرتدي عباءة يونانية معلقة على الكتف الأيمن، والثاني يمثل
الربّة أثينا معتمرة بخوذة وفوق رأسيهما قوس من الكتابة الإغريقية.
آخر
المتكلمين باللغة الآرامية
معلولا آخر بلدة في العالم تتكلم اللغة الآرامية التي كان يتكلمها السيد
المسيح، بالإضافة إلى قريتي جبعدين والصرخة، وللحفاظ على هذا التراث الثقافي فتحت
مدرسة سنة 2003م لتعلم هذه اللغة وإحيائها كتابة حيث أن معظم السكان يتكلمونها
ولكنهم لا يستطيعون كتابتها، ثم أقيمت معاهد لتعلم اللغة الآرامية في معلولا بالتزامن
مع إدخال تعليم اللغة الآرامية إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق
إلى جانب لغات سامية أخرى كالكلدانية والسريانية..
ويقوم أهل معلولا بتعليم أطفالهم اللغة الآرامية من
الصغر، ويتعلم الكثيرون اللغة العربية وهم يتعاملون بها مع من يتكلمها ولكنهم
عندما يتكلمون مع بعضهم البعض يتكلمون باللغة الآرامية.
عيد الصليب.. عيد الأعياد
يؤمن أهالي معلولا أن قمة جبال
بلدتهم كانت إحدى القمم التي أشعلت عليها النيران لإعلان العثور على الصليب المقدس
(خشبة الصليب التي صُلب عليها السيد المسيح في جبل الجلجلة في أورشليم) لذا فهي
تحتضن كل سنة، في مناسبة عيد الصليب (14 أيلول) آلاف الزوّار والمشاركين من سورية
ولبنان والعراق والأردن وبعض الأقطار العربية، ومن بعض الدول الأجنبية، وتحتفل
معلولا بالعيد وفق عاداتها وتقاليدها المتوارثة عن الأجداد، حيث يضرم الرجال
النيران على قمم الجبال بعد احتفال كبير وهم يسيرون صعوداً إليها حتى تتحول إلى
زنار من نار يكلل الجبال المحيطة بالبلدة، ويستمر الاحتفال ثلاثة أيام تبدأ بليلة (المعفّّرة)
وهي ليلة يحتفل فيها مجموعة شباب يزيد عددهم على 70 شاباً يعرفون بـ (شباب الصليب)
لأنهم يتولّون التحضيرات وتنظيم الاحتفال كل عام، وتبدأ سهرتهم بإيصال ما يزيد على
ألفي جذع شجرة إلى أعالي قمتي جبال معلولا الغربية والشرقية وتستمر حتى الصباح
تحضيراً لليلة العيد، وفي ليلة العيد تستقطب معلولا ما يزيد على مئة ألف زائر، إذ
تنطلق مسيرة (العراضة) من ساحة البلدة وهي تضم كبار شعراء وزجالي معلولا (والقوّالة)
ويسيرون ضمن حلقات من الدبكة، مردّدين أبياتاً شعرية ترمز للعيد، مزوّدين (بزوادتهم)
الوحيدة وهي (بطحات) من العرق، حاملين معهم العصي والمناجل التي سيستعملونها في
رمي (القرامي). وسرعان ما تنقسم العراضة إلى فئتين، الأولى تتوجه نحو قمة معلولا
الشرقية (جبل الروم الأرثوذكس) والثانية إلى القمة الغربية (للروم الكاثوليك) وعند
وصولهم إلى أعالي الجبل يبدؤون بإضرام النيران لإشعال جذوع الأشجار، ثم تبدأ
المرحلة الأولى وهي رمي (القرامي) من أعلى الجبل إلى وسط البلدة بعد أن يكونوا قد
أمّنوا سلامة المارة، وتستمر مرحلة (دحرجة) القرامي كل نصف ساعة من كل جهة حتى
الساعة الثانية عشرة ليلاً، ليكمل شباب الصليب سهرتهم على قمم الجبال حتى الفجر،
ويعودوا (فرساناً سوداً) من دخان النار، مردّدين أناشيد العيد ومعايدين بعضهم
بعضاً لتحط كل جهة رحالها في كنيسة.
بعد ظهر نهار العيد، تتجدد العراضة ويستمر الاحتفال على هذا النحو في ساحات البلدة
ضمن حلقات من الدبكة والأغاني الشعبية لليوم التالي.
وقد بدأ عيد الصليب في معلولا حين عثر على عود الصليب المقدس في تلة بستان الريحان
في فلسطين سنة 325 ميلادية، يوم أمرت الملكة هيلانة وابنها قسطنطين بالبحث عن الصليب
في الأماكن المقدسة في فلسطين، فكانت إشارة العثور عليه هي إضرام النيران على جبل
الجلجلة، فلما رأى الموجودون على قمة جبل الشيخ النيران سارعوا بدورهم لإشعالها،
وتبعهم في ذلك على التوالي جمع الموجودين على قمم الجبال، وصولاً إلى مشارف
القسطنطينية، فعرف بذلك قسطنطين أن المهمة قد تمت بنجاح، فنقل الصليب المقدس إلى
القسطنطينية ورفعه فيها بتاريخ 14 أيلول من العام نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق