دليل أطباء طرطوس

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

عمريت.. أهم آثار الفينيقيين قبالة جزيرة أرواد

 

عمريت.. أهم آثار الفينيقيين قبالة جزيرة أرواد

  

عمريت واحدة من المدن القديمة تحكي آثارها قصة حضارة وتاريخ, وتعتبر من أهم آثار الفينيقيين الذين أهدوا للعالم أبجديتهم و عباداتهم وحضارتهم , وحسب النصوص القديمة كانت المدينة الرئيسية التابعة لمملكة أرواد الفينيقية، وأكبر مدن الشرق في عهد الاسكندر المقدوني , وتشهد على هذا البقايا الأثرية التابعة لهاعلى طول الساحل المتوسطي للمنطقة قبالة جزيرة أرواد جنوب مدينة طرطوس تقع مدينة عمريت الأثرية جنوب مدينة طرطوس الساحلية على بعد 7 كم، أما الآن فهي ضاحية منها، ويخترقها نهر صغير معروف باسم نهر عمريت أو نهر مارتياس، وتمتدُّ على مساحة تقدَّر بستة كيلومترات مربعة، وتعتبر من أبرز مدن الساحل الكنعاني ـ الفينيقي، ويذكر أنها كانت المدينة الرئيسية في القسم القاري من مملكة أرواد.‏

اسمها كنعاني قديم‏

 هي واحدة من المدن الفينيقية القديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد واسم عمريت أو أمريت هو الاسم الكنعاني القديم ,وأول ذكر لها باسم «ماراتوس» يعود إلى نهاية العام 333 ق.م أي في عهد الإسكندر المقدوني، وخلال هذا العهد عرفت المدينة ازدهاراً وغنى كبيراً،وكانت من أكبر مدن الشرق عرفت كمركز ديني وتجاري وضربت النقود باسم ماراتوس في القرن الثالث والثاني قبل الميلاد مما يدل على أنها كانت ذات مكانة اقتصادية هامة وكانت تابعةً مباشرةً لمملكة أرواد التي تبلغ مساحتها ما يزيد عن 30 هكتاراً.  وقد ذكرت الجزيرة في رسائل تل العمارنة .‏

وهناك ذكر آخر لعمريت أثناء حملات تحوتمس الثالث (1501- 1474ق.م)، حيث يرد اسم «قرت-أماروتا»، كذلك خلال فترة آشور ناصربال الثاني (883-859 ق.م) الذي سيطر على الساحل الجنوبي .‏



في النصوص المصرية

ذكرت في بعض النصوص من مصر من القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وضمن هذه النصوص كانت تتم الإشارة إلى اسم «أمورو» وقد قربها الباحثون من عمريت.. وفي عهد الإغريق والسلوقيين كانت عمريت مدينة للملاهي والمسارح وفيها معبد ذو طابع فينيقي إضافة إلى الملعب الرياضي والمغازل مدافن ملوك عمريت و أرواد.‏

فترة ازدهارها‏

تأسست مدينة عمريت في العصر الأموري في الألف الثالث قبل الميلاد. إلا أن فترة ازدهارها كانت ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وهو عصر ازدهار المدن الفينيقية,‏

خلال العصر الفارسي (539 ـ 333 ق.م) شكلت جزيرة أرواد مركزاً رئيسياً للتجارة وسيطرت على الساحل الفينيقي الشمالي والجنوبي وباتجاه الداخل حتى بانياس. وخلال عهد الإسكندر امتلك أمير الجزيرة جميع المناطق والأراضي الساحلية حتى البعيدة منها عن الساحل، وخلال هذه الفترة كما ذكرنا سابقاً عرفت عمريت باسم «ماراتوس» وغدت مدينة مهمة وتابعت تطورها إلى جانب أرواد. ثم استطاعت عمريت التحرر من سيطرة أرواد الأم في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويروي ديودور الصقلي أن الأرواديين هاجموا المدينة ودمروها في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وتقاسموا أراضيها. ومع قدوم الرومان انتعشت المدينة وعادت للظهور من جديد، وبقيت على هذا الحال حتى العصر البيزنطي.‏

آثار المدينة‏

ومنها المعبد والملعب الرياضي وما يعرف بالمغازل ، ولكن لم يتم العثور على نصوص أتت على ذكرها. إلا أنه من خلال المكتشفات والبقايا الأثرية، يمكن القول إن المعبد بدأ يأخذ مكانه وممارسة الطقوس الدينية فيه منذ نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت له مكانة مهمة في المنطقة، يأتيه السكان للتعبد والشفاء من الأمراض. ويتوضع المعبد في الجانب الغربي من التل الذي يبعد عن الشاطئ حوالي 2كم، ويحده من الشمال نهر عمريت، وإلى الشرق منه نبع ماء كان يصب ضمن البحرة المقدسة. نُحت المعبد ضمن الطبقة الصخرية الطبيعية بمخطط على شكل مربع، وتم تفريغ الداخل لإنشاء بحرة يتوسطها هيكل مرتفع فوق مستوى الماء وهو يرتكز على صخرة تم الحفاظ عليها لهذه الغاية ، ويتم الوصول إلى البحرة عبر مدخل كبير يحيط به من كل جانب على شكل برج مؤلف من طابقين، ومن ثم نجد درجاً هابطاً داخل البحرة. أما المداخل الجانبية فتفضي إلى الأروقة المحمولة على أعمدة والتي تحيط بالبحرة المقدسة وتطل عليها، وكانت هذه الأروقة تستخدم للطواف حول الهيكل المركزي، كما تم افتراض وجود قوارب صغيرة كانت تستخدم لكبار رجال الدين لإتمام الطقوس الدينية والوصول إلى الهيكل المتوضع وسط البحر‏

كرسي للإله‏ (ما لكارت)‏

أول ما يلفت انتباه الزائر للمعبد الهيكل المقدس الموجود وسط الباحة والذي أثبتت الكتابات الفينيقية التي عُثر عليها قرب الموقع أنه كرسي للإله مالكوت ,وقد ظل الهيكل المقدس باقيا ردحا من الزمن رغم العوامل الزمنية ,أما المحراب فقد كان مخصصا لوضع تمثال الإله الذي كرس له المعبد كما وجدت كتابات فينيقية عثر عليها قرب الموقع تؤكد انه كرسي للإله (ما لكارت) الشافي للأمراض المتنوعة بما في ذلك الحميات حيث كان الناس يأتون بالأباريق الفخارية لملئها من المياه المقدسة بقصدالشفاء، وهذا الإله معروف في أنحاء مختلفة من المنطقة وصولاً حتى تدمر، وأولى الكتابات التي عثر عليها وتذكر اسم الإله هي التي عثر عليها ضمن القناة، وترجمة الكتابة هي «في يد الإله مالكارت».‏



وفي أرواد كتابة يونانية‏

وفي أرواد عثر على كتابة يونانية تشير إلى ملكارت مع هرمس، وهي مؤرخة بالعام 25ق.م، وتم تمثيل الإله بوضعية الوقوف، القدم اليسرى تتقدم أكثر للأمام، واليد اليمنى تمتد بمستوى الكتف بينما تنسدل الأخرى نحو الأسفل ملاصقة للجسد، وفي هذا التمثيل يرتدي الإله قميصاً طويلاً وحول خصره حزام، كذلك نجد حول الرقبة جلد أسد قوائمه تظهر فوق الصدر وهو رمز هرقل، أما فيما يخص الوجه، فنجده ملتحياً، وفوق الرأس عمرة دائرية الشكل , هناك العديد من الكتابات التي تذكر مالكارت، سواء في عمريت أو في أرواد وحتى في مناطق أخرى من فلسطين ولبنان، وهو معروف أيضاً على أنه إله البحر وإله الخصب.‏

طقوس العبادات‏

وبالنسبة للطقوس التي كانت تمارس في المعبد، فلم تقدم النصوص المكتشفة معلومات عنها، إلا أنه تم العثور على العديد من اللقى والأواني التي كانت تستخدم لأجل هذه الغاية، فمنها أوانٍ فخارية كانت تستخدم لنقل المياه المقدسة، وأوانٍ لحرق البخور، كذلك تم اكتشاف ثقوب في زوايا أعمدة الأروقة، والغاية من هذه الثقوب هي أن يقوم المريض بوضع إصبع يده فيها، أو أن يعلق فيها بعض النذورات الخاصة كي يشفى من مرضه. لقد وجد أن هناك تشابهاً كبيراً مع معبد منبج، خصوصاً بما يتعلق بالبحرة المقدسة ومياهها، وقد ذكر لوسيانوس السمسياطي الطقوس التي كانت تمارس في المعبد والبحرة المقدسة، وربما كان هناك تشابه من حيث الطقوس المتعلقة بالبحرة المقدسة، لا سيما وأن هناك تشابهاً حتى الوقت الحاضر في الطقوس والمعتقدات الموجودة حالياً مع ما كان سائداً في العصور القديمة ,و كان يعتبر الإله ملكارت إله الطب، خصوصاً بعد أن تم دمجه مع هرقل، وعبادته كانت معروفة في عالم البحر المتوسط.‏

الملعب الرياضي‏

في عمريت على الشاطئ الفينيقي الشمالي مقابل جزيرة أرواد يجلب الانتباه ملعب فينيقي يعود تاريخه على الأقل للقرن الخامس عشر قبل الميلاد ،وتأتي أهمية الملعب من قدمه ومحاكاته لمواصفات الملعب الموجود في أولمبيا.‏

طول الملعب 225 م وعرضه 30 م افي اولمبيا 13,75 29,60ب تحيط به عشر درجات كل واحدة بارتفاع 0,6م حفرت بالحجر الكلسي على امتداد الجانب الشمالي بينما نصف المسافة حفرت في الحجارة في الجهة الجنوبية ، وأكمل القسم الآخر ببناء حجري مازال ظاهرا حتى يومنا هذا‏

في الجانب الشرقي تنحرف الدرجات من الجانبين مشكلة قوساً في آخرهما يوجد حجر حفر على جانبيه لتشكيل مدخلي الملعب وهناك مدخل آخر مصمم للرياضيين حُفر تحت درجات الجانب الجنوبي، أما من جهة الغرب فلا توجد درجات.‏

العلاقة بين الملعب والمعبد‏

ملعب عمريت يقع بجانب معبد المدينة، يفصل بينهما حقل يمر فيه جدول نهر عمريت، والمسافة الفاصلة بينهما حوالي 200م تقريباً، كما هو التقليد المتبع في اليونان، وإن العلاقة بين الملعب والمعبد تتعلق بطقوس دينية متداخلة مع منافسات تكريماً لبعل عمريت الذي خُصص له المعبد، إن بناء الملعب مرتبط مع بناء المعبد حيث إن طريقة اقتطاع الحجارة في مدرج الملعب وفي المعبد على الصلة بين وقت بناء الملعب ووقت بناء المعبد ، فلذلك يرجع تأريخ بناء ملعب عمريت بمزامنة مع بناء الملعب والمدينة في حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد.‏

الكشوفات التي تمت على الموقع‏

في عام 1697 وضع الرحالة البريطاني هـ .ماوندريل وصفاً أولياً للمعبد الكبير، وفي عام 1861 قام المستشرق الفرنسي رونان بإجراء الأسبار الاستكشافية الأولى في مناطق مختلفة من الموقع وثَّق فيها للمعبد الرئيسي والمدافن وللعديد من المباني المهمة. و مع بداية عهد الانتداب الفرنسي على سورية تابع الأعمال في الموقع بدءاً من عام 1926م الآثاري موريس دونان وخصوصاً فيما يتعلق بالمعبد، إلى جانب البقايا الأثرية الأخرى للموقع ومنها هيكل بالقرب من المعبد يعرف باسم عين الحية (نافورة الثعابين). وقد تم خلال هذه الأعمال الكشف عن مجموعة من التماثيل النذرية واللقى الأخرى.‏

وقامت المديرية العامة للآثار بأعمال التنقيب المنهجية في المدينة عام 1953 وفي عام 1978 تابعت دائرة آثار طرطوس أعمال الكشوفات الأثرية وكشفت عن العديد من القبور الرخامية والفخارية التي تحمل تصاوير إنسانية.‏

وفي عام 1988 كشف عن أقسام من المرفأ البحري جنوب المعبد الكبير. وفي عام 2002 انتظم العمل الميداني من جديد وأدَّى إلى كشوفات جديدة كمدافن محفورة بالصخر ورسوم جدارية وتماثيل رخامية ونصب جنائزية.‏

وتمَّ الكشف عن أقسام هيلينيستية في الملعب وشمال شرق الملعب كما تمَّ اكتشاف معبد جديد يعود إلى العصور الفينيقية المتأخرة. ‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أطباء ـ أشعة