دليل أطباء طرطوس

السبت، 8 مايو 2021

لسنا عيوباً

 

لسنا عيوباً

 


يحكى أن واحداً من أبطال رياضة الجري تعرّض لحادث سير أفقده ساقيه، فدفن نفسه في غرفته لا يخرج منها ولا يكلم أحداً، وأمضى عدة أشهر في عزلته حتى أخبروه يوماً أن زائراً يصر على لقائه ويرفض المغادرة إلا بعد رؤيته.. رفض اللاعب بشدة، ومضى يومان والزائر جالس أمام الباب، وأهل اللاعب يرجونه أن يراه، فهو لا يأكل ولا يشرب ولا يكلم أحداً ولا يغادر..

وفي اليوم الثالث رضخ اللاعب ووافق على دخول الزائر إلى غرفته.. وما هي إلا دقائق حتى دخل الزائر بمفرده على كرسي متحرك، وأكثر وجهه غير ظاهر بسبب غطاء يلفه على رأسه ووجهه..

سارع اللاعب بالقول للزائر: إذاً أنت مشلول، ولا شك أنك جئت تعطيني درساً في قدرتك على مواجهة الصعاب.. لقد استقبلتك وعرفت ما تريد فانصرف الآن..

لم يغادر الزائر، لكنه مدّ يده بهدوء ونزع الغطاء عن رأسه.. صُعق اللاعب وهو يرى الرأس والوجه المشوهين بشكل مخيف، مرت دقائق صمت طويلة قبل أن يتحدث الزائر قائلاً: لقد تمنيت طوال حياتي لو أنني استطعت المشي، وحلمت مراراً أنني أغلبك في الجري.. لكن قبل ذلك كنت قد أمضيت طفولة قاسية في ملجأ يشمئز فيه مني الجميع بعد أن رفضني أهلي أنا المولود مشوهاً عاجزاً، وكبرت وأنا لا أعرف شكل الشارع لأن أحداً لم يحاول التعامل معي ككائن حي.. لكني اكتشفت مع الأيام أنني أحتاج إلى تغيير المكان الذي أسجن نفسي فيه، فقد منحني الله نعمة كبيرة هي الرسم، وكان علي أن أرى الحياة حولي ليتسع أفق لوحاتي.. يضايقني هذا الغطاء كثيراً، لكنني أحتمله لأغطي به عيباً يمكن أن يجعل مروري في الشارع حديثاً لكل من سأمر بهم..

ولأول مرة منذ دخوله الغرفة نظر الزائر إلى عيني اللاعب وتابع: احتضن طفولتك أهلك الذين ترفضهم اليوم، وحظيت بالشهرة وبمحبة الناس طوال حياتك، ولازالت صورك تملأ بيوت محبيك، ورغم ذلك لم يخطر لك مرة واحدة أن تفكر: ماذا يمكن أن أفعل لو لم أكن لاعباً..!  
غالبيتنا نتعامل مع عيوبنا على أنها نحن، نختزل أنفسنا بالعيب الموجود، فالذي يعاني من السمنة المفرطة لا يرى نفسه إلا سميناً، والذي يعاني من نقص الطول يرى نفسه قصيراً وحسب، ومن لديه مشكلة في مادة دراسية ما يراها نفسه ولا يراها في نفسه، فيعيش حبيس العيب ولا يخرج منه حتى يخرج من الحياة تماماً بلا إنجازات تذكر!
أنت لست عيوبك فحسب، لذلك لا تتوقف عندها واعمل بصمت لخفت صوت الصفات السيئة، فنحن نستمر بما فينا من عيوب مهما حاول الناس التركيز عليها، وهدفنا فقط أن نتقدم لا أن نقف فنخسر.

 

 

جريدة الشراع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أطباء ـ أشعة